فصل: ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ست وتسعين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه طلع كوكب كبير يشبه الزهرة في كبره وأصاءته عن يسرة القبلة يتموج وله شعاع على الأرض وفي هذه السنة‏:‏ ولي أبو محمد بن الأكفاني قضاء جميع بغداد وجلس القادر لأبي المنيع قرواش بن أبي حسان ولقبه بمعتمد الدولة وتفرد قرواش بالإمارة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس محمد بن محمد بن عمر العلوي وخطب بمكة والمدينة للحاكم صاحب مصر على الرسم في ذلك وأمر الناس في الحرمين بالقيام عند ذكره وفعل مثل ذلك بمصر وكان إذا ذكر قاموا وسجدوا في السوق ومواضع الاجتماع‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو سعد الجرجاني

الإسماعيلي ورد بغداد غير مرة كان آخر وروده والدار قطني حي وحدث عن أبيه أبي بكر الإسماعيلي والأصم وعبد الله بن عدي‏.‏

روى عنه الخلال والتنوخي وكان ثقة فاضلًا فقيهًا على مذهب الشافعي عارفًا بالعربية سخيًا جوادًا يفضل على أهل العلم وكان له ورع والرياسة بجرجان إلى اليوم في ولده وأهل بيته‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ سمعت أبا الطيب الطبري يقول‏:‏ ورد أبو سعد الإسماعيلي بغداد وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الاسفرائني وتولى الآخر أبو محمد البافي فبعث البافي إلى القاضي أبي الفرج المعافى بن زكريا بابنه أبي الفضل يسأله حضور المجلس فكتب على يده هذين البيتين‏:‏ إذا أكرم القاضي الجليل وليه وصاحبه ألفاه للشكر موضعا ولي حاجة يأتي بني بذكرها ويسأله فيها التطول أجمعا فأجابه أبو الفرج‏:‏ دعا الشيخ مطواعًا سميعًا لأمره يؤاتيه باعًا حيث يرسم إصبعا وها أنا غاد في غد نحو داره أبادر ما قد حده لي مسرعًا توفي الإسماعيلي بجرجان في ربيع الآخر من هذه السنة وكان في صلاة المغرب فقرأ ‏{‏إياك نعبد وإياك نستعين‏}‏ وفاضت نفسه‏.‏

علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن المقرئ ابن العلاف سمع علي بن محمد المصري وقرأ علي أبي طاهر بن أبي هاشم وكان أحد شهود القاضي أبي محمد بن الأكفاني‏.‏

روى عنه عبد العزيز الأزجي وتوفي في شوال هذه السنة‏.‏

أبو عمرو المزكي من أهل نيسابور يعرف بالبحيري‏.‏

رحل في طلب العلم إلى العراق والحجاز وورد بغداد فحدث بها سنة ثمانين وثلثمائة وكان ثقة حافظًا مبرزًا في المذاكرة وتوفي بنيسابور في شعبان هذه السنة وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

محمد بن أحمد بن موسى بن جعفر بن قيس بو الحسين البزاز سمع محمد بن مخلد وأبا الحسين

محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون أبو الفضل الهاشمي سمع أبا بكر بن الأنباري والنيسابوري روى عنه البرقاني وغيره وقال العتيقي‏:‏ هو ثقة‏.‏

توفي يوم السبت سلخ ربيع الآخر من هذه السنة وله ست وثمانون سنة‏.‏

محمد بن الحسن بن عمر بن الحسن أبو الحسين المؤدب ابن أبي حسان حدث عن أبي العباس بن عقدة وغيره روى عنه العتيقي‏.‏

ابن مندة أبو عبد الله الحافظ الأصبهاني من بيت الحديث والحفظ سمع من أصحاب أبي مسعود ويونس بن حبيب وأبي العباس المحبوبي وسافر البلاد وكتب الكثير وصنف التاريخ والشيوخ وتوفي بأصبهان في صفر هذه السنة‏.‏

أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ أخبرنا عبد الله بن عطاء الهروي قال‏:‏ سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي يقول‏:‏ سمعت أبا العباس جعفر بن محمد بن المعتز الحافظ يقول‏:‏ ما رأيت أحفظ من أبي عبد الله بن مندة وسألته يومًا فقلت‏:‏ كم يكون سماع الشيخ فقال‏:‏ يكون خمسة آلاف منا‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ خروج أبي ركوة وما جرى له مع الحاكم بمصر وهذا رجل أموي من ولد هشام بن عبد الملك واسمه الوليد وإنما كني بأبي ركوة لركوة كانت معه في أسفاره يحملها على مذهب الصوفية وكان قد لقي الشيوخ وكتب الحديث بمصر وانتقل إلى مكة ثم إلى اليمن ثم إلى عاد الشام وهو في خلال أسفاره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك ويأخذ البيعة على من يجد عنده انقيادًا وقبولًا ثم نزل حلة وصار معلمًا واجتمع عنده صبيان العرب وتظاهر بالتنسك ودعا جماعة منهم فوافقوه ثم أعلمهم أنه هو الإمام الذي يدعو إليه وقد أمر بالظهور ووعد النصر فخاطبوه بالإمامة ولقب نفسه الثائر بأمر الله المنتصر لدين الله من أعداء الله وعرف هذا بعض الولاة فكتب إلى الحاكم يستأذنه في طلبه قبل أن تقوى شوكته فأمره بإطراح الفكر في أمره لئلا يجعل له سوقًا وكان يخبر عن الغائبات فيقول أنه يكون كذا وكذا ثم لقيه ذلك الوالي في جمع فهزمهم وحصل من أموالهم ما قويت به حاله فدخل برقة فجمع له أهلها مائتي ألف دينار وقبض على رجل يهودي اتهمه بودائع عنده فأخذ منه مائتي ألف دينار ونقش السكة باسمه وألقابه وركب يوم الجمعة وخطب ولعن الحاكم فجمع له الحاكم ستة عشر ألفًا وبعث عليهم الفضل بن عبد الله فنهض وأخذ معه ثلثمائة ألف دينار لنفقاته ونفقات العسكر وحمل إليه الحاكم خمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف قطعة ثيابًا وقال له‏:‏ اجعل هذا عدة معك فلما سار تلقاه أبو ركوة فرام مناجزته والفضل يتعلل ويراوغ فقال أصحاب أبي ركوة‏:‏ قد بذلنا نفوسنا دونك ولم يبق فينا فضل لمعاودة حرب وما دمت مقيمًا بين ظهرانينا فنحن مطلوبون لأجلك فخذ لنفسك وانظر أي بلد تريد لنحملك إليه فقال‏:‏ تسلمون إلى فارسين يصحبانني إلى بلاد النوبة فإن بيني وبين ملكهم عهدًا وذمامًا فأوصلوه إلى بلاد النوبة فبعث الفضل وراءه فسلموه فحمل إلى الحاكم فأركبه جملًا وشهره ثم قتله وقدم الحاكم الفضل وأقطعه قطاعات كثيرة وبلغ في إكرامه إلى أن عاده دفعتين في علة عرضت له فلما أبل وعوفي قتله‏.‏

وفي يوم الإثنين لأربع خلون من جمادى الأولى أظهر ورود كتاب من حضرة بهاء الدولة بتقليد أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى النقابة والحج وتلقيبه بالرضي ذي الحسبين‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ لقب الشريف أبو القاسم أخوه بالمرتضى ذي المجدين ولقب الشريف أبو الحسين الزينبي بالرضا ذي الفخرين‏.‏

وفي رمضان هذه السنة قلد سند الدولة أبو الحسن علي بن مزيد ما كان لقرواش وخلع عليه ولقب سند الدولة‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ثارت على الحاج ريح سوداء بالثعلبية أظلمت الدنيا منها حتى لم ير بعضهم بعضًا وأصاب الناس عطش شديد واعتاقهم ابن الجراح على مال طلبه وضاق الوقت فعادوا إلى الكوفة ووصل أوائلهم إلى بغداد في يوم التروية ولم يتم الحج في هذه السنة‏.‏ عبد الرحمن بن عمر بن أحمد أبو الحسين المعدل ابن حمة الخلال سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي روى عنه البرقاني والأزهري‏.‏

وكان ثقة وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه أبو حامد الاسفراييني ودفن بالشونيزي‏.‏

عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الدينوري الواعظ الزاهد قرأ القرآن ودرس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري وسمع الحديث من أبي بكر النجاد وروى عنه الأزجي والصيمري‏.‏

وكان ثقة ولزم طريقة يضرب بها المثل من المجاهدة للنفس واستعمال الجد المحض والتعفف والتقشف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال‏:‏ كان عبد الصمد يدق السعد في العطارين ويذهب مذهب التدين والتصون والتعفف والتقشف فسمع عطارًا يهوديًا يقول لابنه‏:‏ يا بني قد جربت هؤلاء المسلمين فما وجدت فيهم ثقة فتركه عبد الصمد أيامًا ثم جاءه فقال‏:‏ أيها الرجل تستأجرني لحفظ دكانك‏.‏

قال‏:‏ نعم وكم تأخذ مني قال‏:‏ ثلاثة أرطال خبز ودانقين فضة كل يوم قال‏:‏ قد رضيت قال‏:‏ فاعطني الخبز أدرارًا واجمع لي الفضة عندك فإني أريدها لكسوتي‏.‏

فعمل معه سنة فلما انقضت جاءه فحاسبه فقال‏:‏ انظر إلى دكانك قال‏:‏ قد نظرت قال‏:‏ فهل وجدت خيانة أو خللًا قال‏:‏ لا والله قال‏:‏ فإني لم أرد العمل معك وإنما سمعتك تقول لولدك في الوقت الفلاني أنك لم تر في المسلمين أمينًا فأردت أن أنقض عليك قولك وأعلمك أنه إذا كان مثلي وأنا أحد الفقراء على هذه الصورة فغيري من المسلمين على مثلها وما هو أكثر منها‏.‏

ثم فارقه وأقام على دق السعد مدة وعرفه الناس واشتهر بفعله ودينه عندهم وانقطع إلى الوعظ وحضور الجوامع وكثر أصحابه وشاع ذكره وكان ينكر على من يسمع القضيب‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن الحسن المالكي قال‏:‏ جاء رجل إلى عبد الصمد بمائة دينار ليدفعها إليه فقال‏:‏ أنا غني عنها فقال‏:‏ ففرقها على أصحاب كهؤلاء فقال‏:‏ ضعها على الأرض ففعل فقال عبد الصمد للجماعة‏:‏ من احتاج منكم إلى شيء فليأخذ على قدر حاجته فتوزعتها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده ثم جاءه ابنه بعد ساعة فطلب منه شيئًا فقال له‏:‏ اذهب إلى البقال فخذ منه على ربع رطل تمر‏.‏وبلغنا عن عبد الصمد أنه اشترى يومًا دجاجة وفاكهة وحلوى فرآه بعض أصحابه فتعجب فمشى وراءه فطرق باب أرامل وأيتام فأعطاهم ذلك ثم التفت فرآه فقال له‏:‏ المتقي يزاحم أرباب الشهوات ويؤثر بها في الخلوات حتى لا يتعب بها جسمه ولا يظهر بتركها اسمه‏.‏

توفي عبد الصمد بدرب شماس من نهر القلائين بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ توفي ليلًا وكان يقول في حالة نزعه‏:‏ سيدي لهذه الساعة خبأتك صلي عليه بجامع المنصور ودفن في مقبرة الإمام أحمد‏.‏

أبو العباس بن واصل كان يخدم الكرج وكان يخرج له في الحسان أنه يملك فكانوا يهزأون به ويقول له بعضهم‏:‏ إذا صرت ملكًا فاستخدمني ويقول الآخر اخلع علي والآخر يقول‏:‏ عاقبني فصار ملكًا وملك سيراف ثم البصرة وقصد الأهواز وهزم بهاء الدولة وملك البطيحة وأخرج عنها مهذب الدولة علي بن نصر إلى بغداد بعد أن كان قد لجأ إليه في بعض الأحوال فخرج إليه مهذب الدولة بما أمكنه من أمواله وأخذت أمواله في الطريق واضطر إلى أن ركب بقرة ودخل ابن واصل فأخذ أموال مهذب الدولة ثم إن فخر الملك أبا غالب قصد ابن واصل فاستجار ابن واصل بحسان بن ثمال الخفاجي فصيره إلى مشهد علي عليه السلام فتصدق هناك بصدقات كثيرة وسار من المشهد قاصدًا بدر بن حسنويه لصداقة كانت بينهما فكبسه أبو الفتح بن عناز فسلمه إلى أصحاب بهاء الدولة بعد أن حلف له على الحراسة فحمل إليه فقتله بواسط في صفر هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الثلج وقع ببغداد في يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الأول فعلا على وجه الأرض ذراعًا في موضع وذراعًا ونصفًا وأقام أسبوعًا لم يذب رماه الناس عن سطوحهم بالرفوش إلى الشوارع والدروب وابتدأ يذوب وبقيت منه بقايا في موضع نحو عشرين يومًا‏.‏

وبلغ سقوطه إلى تكريت‏.‏

ووردت الكتب من واسط بسقوطه فيها بين البطيحة وبين البصرة والكوفة وعبادان ومهروبان‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ كثرت العملات ببغداد وكبس الذعار عدة مواضع وقصد قوم منهم مسجد براثا ليلة الجمعة وأخذوا حصره وستوره وقناديله فجد أصحاب الشرطة في طلبهم فظفروا ببعضهم فشهروا وعرفوا وكحلوا وقطعوا‏.‏

وفي يوم الأحد عاشر رجب جرت فتنة بين أهل الكرخ والفقهاء بقطيعة الربيع وكان السبب أن بعض الهاشميين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبد الله محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم وكان فقيه الشيعة في مسجده بدرب رياح وتعرض به تعرضًا امتعض منه أصحابه فثاروا واستنفروا أهل الكرخ وصاروا إلى دار القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الأسفرايني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليواقعوا بهم ونشأت من ذلك فتنة عظيمة واتفق أنه أحضر مصحفًا ذكر أنه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب وعرض المصحف عليهم فأشار أبو حامد الأسفرايني والفقهاء بتحريقه ففعل ذلك بحضرتهم فلما كان في شعبان كتب إلى الخليفة بأن رجلًا من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة النصف ودعا على من أحرق المصحف وسبه فتقدم بطلبه فأخذ فرسم قتله فتكلم أهل الكرخ في هذا المقتول لأنه من الشيعة ووقع القتال بينهم وبين أهل باب البصرة وباب الشعير والقلائين وقصد أحداث الكرخ باب دار أبي حامد فانتقل عنها ومعتد دار القطن وصاحوا‏:‏ حاكم يامنصور فبلغ ذلك الخليفة فأحفظه وأنفذ الخول الذين على بابه لمعاونة أهل السنة وساعدهم الغلمان وضعف أهل الكرخ وأحرق ما يلي بنهر الدجاج ثم اجتمع الأشراف والتجار إلى دار الخليفة فسألوه العفو عما فعل السفهاء فعفا عنهم‏.‏

فبلغ الخبر إلى عميد الجيوش فسار ودخل بغداد فراسل أبا عبد الله ابن المعلم فقيه الشيعة بأن يخرج عن البلد ولا يساكنه ووكل به فخرج في ليلة الأحد لسبع بقين من رمضان وتقدم بالقبض على من كانت له يد في الفتنة فضرب قوم وحبس قوم ورجع أبو حامد إلى داره ومنع للقصاص من الجلوس فسأل علي بن مزيد في ابن المعلم فرد ورسم للقصاص عودهم إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث شعبان وافى مطر ومعه برد في الواحدة منها خمسة دراهم ونحوها‏.‏

وفي ليلة الأحد سادس عشر شعبان حدثت زلزلة عظيمة بالدينور وورد الخبر بأنها هدمت المنازل وهلك فيها خلق كثير أكثر من ستة عشر ألف إنسان غير من خاست به الأرض وطمه الهدم وخرج السالمون إلى الصحراء فأقاموا في أكواخ عملوها وذهب من الأثاث والمتاع فيما تهدم ما لا يحصى‏.‏

وورد الخبر في سادس عشر رمضان بهبوب عاصف من الريح سوداء بدقوقا قلعت المنازل والنخل والزيتون وخرج الناس لأجلها من منازلهم وقتلت جماعة وورد الخبر من تكريت بنحو ذلك‏.‏

وورد الخبر من شيراز بعصوف ريح سوداء أحرقت الزروع وهدمت قطعة من البلد وأن وورد الخبر من واسط وشقي الفرات أنه ورد في هذين الصقعين برد عظيم كان وزن الواحدة منه مائة وستة دراهم‏.‏

وجاء ببغداد في يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان وهو سلخ أيار مطر كثير جرت منه المآزيب‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ورد الخبر بأن الحاكم صاحب مصر هدم بيعة قمامة وهذه البيعة تجاور بيت المقدس وهي عظيمة القدر عند النصارى وكانوا يخرجون في كل سنة من المواضع في العماريات إلى بيت المقدس لحضور فصحهم وربما جاء ملك الروم وكبراء بطارقته متنكرًا ويحملون إليها الأموال والثياب والستور والفروش ويصوغون لها القناديل والأواني من الذهب والفضة واجتمع فيها مع الزمان مال عظيم فإذا اجتمعوا يوم الفصح أظهروا زينتهم ونصبوا صلبانهم ويعلق القوم القناديل في بيت المذبح ويجعلون فيها دهن الزيتون ويجعلون بين كل قنديلين كالخيط من الحديد متصلًا ويطلونه بدهن البلسان ويقرب بعض القوم النار من خيط منها بحيث لا يعلم الحاضرون فيشعلونه وينتقل من القناديل فيشعل الكل ويظن من حضر أنها نار نزلت من السماء فيكثر تكبيرهم وضجيجهم فلما وصفت هذه الحالة للحاكم تقدم بأن يكتب إلى والي الرملة وإلى أحمد بن يعقوب الداعي بأن يقصدا بيت المقدس ويستصحبا الأشراف والقضاة والشهود ووجوه البلد وينزلا بيعة قمامة ويبيحا العامة نهبها وأخذ ما فيها ويتقدما بنقضها وتعفية أثرها‏.‏

وبلغ الخبر النصارى فأخرجوا ما في البيعة من جوهر وثياب وذهب وفضة فانتهب ما بقي وهدمت‏.‏

ثم جاز الحاكم إلى موضع فيه ثلاث بيع تعظمها النصارى على أعلاها الصلبان الظاهرة فضجت العامة إليه فنقض منها شيئًا بيده ثم أمرهم بنقضها ورجع إلى منزله فكتب بنقض جميع البيع والكنائس وبنى مساجد مكانها فهدمت ألوف وأمر بالنداء بمصر في أهل الذمة من أراد الدخول في الإسلام دخل ومن أراد الانتقال إلى الروم كان آمنًا إلى أن يخرج ويصل أو المقام على أن يلبس الغيار ويلزم ما شرط عليه في ذلك أقام وشرط على النصارى تعليق الصلبان ظاهرة على صدورهم وعلى اليهود تمثال رأس عجل والامتناع من ركوب الخيل فعملوا صلبان الذهب والفضة فأنكر الحاكم ذلك وأمر المحتسبين أن يأخذوا النصارى بتعليق صلبان الخشب الذي يكون قدر الواحد منها أربعة أرطال واليهود بتعليق خشبة كالمدقة وزنها ستة أرطال وأن يشدوا في أعناقهم أجراسًا عند دخولهم الحمامات ليتميزوا بها عن المسلمين ففعل ذلك ثم إنه قبيل قتله أذن في إعادة بناء البيع والكنائس وأذن لمن أسلم منهم أن يعود إلى دينه وقال‏:‏ ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام وهذا غلط قبيح منه وقلة علم فإنه لا يجوز أن يمكن من أسلم من الارتداد‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن إبراهيم أبو العباس الضبي توفي في صفر هذه السنة وكان أوصى أن يدفن في مشهد كربلاء وبعث ابنه إلى أبي بكر الخوارزمي شيخ الحنفيين يسأله أن يبتاع له تربة يدفن بها وأن يقوم بأمره فبذل للشريف أبي أحمد والد الرضي خمسمائة دينار مغربية ثمن تربة فقال‏:‏ هذا رجل لجأ إلى جوار جدي فلا آخذ لتربته ثمنًا وأخرج التابوت من بغداد وشيعه بنفسه ومعه الأشراف والفقهاء وصلوا عليه بمسجد براثا وأصحبه خمسين رجلًا من رجالة بابه‏.‏

الحسين بن هارون أبو عبد الله الضبي القاضي ولد سنة عشرين وثلثمائة وكان إليه القضاء بربع الكرخ ثم صار إليه القضاء بالجانب الغربي وحدث عن الحسين المحاملي وابن عقدة وكان فاضلًا دينًا ثقة حجة عفيفًا عارفًا بالقضاء والحكم بليغًا في الكتابة وولي القضاء نيابة عن ابن معروف في سنة ست وسبعين ثم وليه رياسة ثم عزل الضبي عن القضاء في سنة سبع وسبعين فانحدر إلى البصرة وتوفي في شوال هذه السنة‏.‏

عبد الله بن محمد أبو محمد البخاري البافي الخوارزمي كان من أفقه أهل وقته على مذهب الشافعي تفقه على أبي القاسم الداركي ودرس مكانه وله معرفة بالأدب وفصاحة شعر مطبوع يقوله من غير كلفة ويعمل الخطب ويكتب الكتب الطوال من غير روية‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثنا البرقاني قال‏:‏ قصد أبو محمد البافي صديقًا له ليزوره في داره فلم يجده فاستدعى بياضًا ودواة فكتب إليه‏.‏

كم حضرنا وليس يقضي التلاقي نسأل الله خير هذا الفراق إن أغب لم تغب وإن لم نغب غبت وكان افتراقنا باتفاق توفي البافي في محرم هذه السنة‏.‏

ابن الصيدلاني ولد سنة تسع وثلاثمائة وسمع ابن صاعد وهو أحد من حدث عنه من الثقات روى عنه الأزهري وكان صالحًا مأمونًا ثقة توفي في رجب هذه السنة ودفن في مقبرة أحمد بن حنبل‏.‏

عبيد الله بن عثمان بن علي أبو زرعة البناء الصيدلاني ولد في سنة سبع عشرة وثلاثمائة وسمع القاضي المحاملي روى عنه الأزهري والعتيقي وكان ثقة مأمونًا وتوفي في هذه السنة‏.‏

عبد الواحد بن نصر بن محمد أبو الفرج المخزومي الشاعر الببغاء كان أديبًا فاضلًا وكاتبًا مترسلًا وشاعرًا مجيدًا لطيفًا‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أنشدنا أبو نصر أحمد بن عبد الله قال‏:‏ أنشدنا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر لنفسه‏:‏ يا من تشابه منه الخلق والخلق فما تسافر إلا نحوه الحدث ترديد دمعي في خديك مختلس وسقم جسمي من جفنيك مسترق أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي قال‏:‏ أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران قال‏:‏ أنشدنا أبو الفرج المخزومي المعروف بالببغاء لنفسه‏:‏ طمعت ثم رأيت اليأس أجمل لي تنزهًا فخصمت الشوق بالجلد تبدلت وتبدلنا وأخسرنا من ابتغى خلفًا يسلى فلم يجد قال‏:‏ وأنشدنا أبو غالب عن أبي الفرج الببغاء قال‏:‏ إنها من مشهور شعره إلى عميد الجيوش ولم نسمعها منه‏:‏ سألت زماني بمن أستغيث فقال استغث بعميد الجيوش فناديت مالي به حرمة فجاوب حوشيت من ذا وحوشي رجاؤك أياه يدنيك منه ولو كنت بالصين أو بالعريش نبت بي داري وفر العبيد وأودت ثيابي وبعت فروشي وكنت ألقب بالببغاء قديمًا فقد مزق الدهر ريشي وكان غذائي نقي الأرز فها أنا مقتنع بالحشيش وكتب إليه أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي من الحبس وكان قد زاره في محبسه بهذه الأبيات‏.‏

مضت مدة أستام ودك غاليًا ** فأرخصته والبيع غال ومرتخص

وآنستني من محبسي بزيارة ** شفت قرمًا من صاحب له قد خلص

ولكنما كانت كشجو لطائر ** فواقًا كما يستفرص الفارص الفرص

فأحسبك استوحشت من ضيق موضعي ** وأوحشت خوفًا من تذكرك القفص

كذا الكرز اللماح ينجو بنفسه ** إذا عاين الاشراك تنصب للقنص

فحوشيت يا قس الطيور فصاحة ** إذا أنشد المنظوم أو درس القصص

من المنشر الأشغى ومن حزة الهدى ** ومن بندق الرامي ومن قصة المقص

ومن صعدة فيها من الدهر لهذم ** لفرسانكم عند الطراش بها قعص

فهذي دواهي الطير وقيت شرها ** إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص

فكتب إليه الببغاء جوابه‏:‏ أبا حامد مذ يمم المجد ما نكص وبدر تمام مذ تكامل ما نقص ستخلص من هذا السرار وإنما هلال توارى بالسرار فما خلص أتتني القوافي الباهرات بحمل الب دائع من مستحسن الجد والرخص فقابلت زهر الروض منها ولم يجد وأخرزت در البحر فيها ولم أغص وإن كنت بالببغاء قدمًا ملقبًا فكم لقب بالجور لا العدل مخترص وبعد فما أخشى تقنص جارح وقلبك لي وكر وصدرك لي قفص توفي الببغاء في شعبان هذه السنة‏.‏

محمد بن يحيى أبو عبد الله الجرجاني كان زاهدًا عالمًا مناظرًا لأبي بكر الرازي وكان يدرس في أول قطيعة الربيع وفلج في آخر عمره ومات في هذه السنة ودفن إلى جنب أبي حنيفة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وتسعين وثلثمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه انقض في وقت المغرب من يوم الأربعاء مستهل رجب كوكب عظيم الضوء وتقطع ثلاث وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان عصفت ريح شديدة وألقت رملًا أحمر في الدور والطرق‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ صرف أبو عمر بن عبد الواحد عن قضاء البصرة وقلد أبو الحسن بن أبي الشوارب وقال العصفري الشاعر‏:‏

عندي حديث ظريف لمثله يتغنا ** من قاضيين يعزى هذا وهذا يهنا

فذا يقول اكرهونا وذا يقول استر ** حنا ويكذبان ونهذي فمن يصدق منا

وفي هذه السنة‏:‏ بلغ الحاج الثعلبية فهبت عليهم ريح سوداء أظلمت منها الدنيا حتى لم ير بعضهم بعضًا كان ذلك في شهر آب وأصابهم عطش شديد واعتاقهم ابن الجراح الطائي فعادوا ووصلوا بغداد يوم عرفة وأخذ بنو رعب الهلاليون وكانوا ستمائة رجل حاج البصرة وأخذوا منهم زيادة على ألف ألف دينار‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أخبرنا عبد الرحمن القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ حدثني عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي أن أم القادر بالله مولاة عبد الواحد ابن المقتدر بالله قال‏:‏ وكانت من أهل الدين والفضل والخير توفيت يوم الخميس الثاني والعشرين من شعبان وصلى عليها القادر بالله في داره ثم حملت بعد صلاة عشاء الآخرة في ليلة السبت الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وثلثمائة في الطيار إلى الرصافة فدفنت هناك‏.‏

الحسين بن حيدرة بن عمر بن الحسين أبو الخطاب الداودي الشاهد كان ينزل الجانب الشرقي وحدث عن الحسين بن إسماعيل المحاملي وغيره‏.‏

روى عنه الخلال والأزجي وكان ثقة وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

عبد الله بن بكر بن محمد بن الحسين أبو أحمد الطبراني سمع ببغداد وبمكة من جماعة وكان مكثرًا سمع منه الدارقطني وعبد الغني وعاد إلى الشام واستوطن موضعًا يعرف بالأكواخ عند بانياس في اصل جبل فأقام هناك يتعبد إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

أبو مسلم كاتب الوزير أبي الفضل ابن حنزابة نزل بمصر وحدث بها عن البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وابن دريد وابن مجاهد وابن عرفة وغيرهم وكان آخر من بقي من أصحاب البغوي‏.‏

أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ حدثني الصوري قال‏:‏ حدثني أبو الحسين العطار وكيل أبي مسلم الكاتب وكان من أهل الفضل والعلم والمعرفة بالحديث وكتب وجمع ولم يكن بمصر بعد عبد الغني أفهم منه وقال‏:‏ ما رأيت في أصول أبي مسلم عن البغوي شيئًا صحيحًا غير جزء واحد كان سماعه فيه صحيحًا وما عدا ذلك مفسود قال الصوري‏:‏ وقد اطلع منه على تخليط ومات في آخر هذه السنة‏.‏

محمد بن علي بن إسحاق ويعرف إسحاق بالمهلوس بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يكنى محمد أبا طالب‏:‏ ولد سنة ست عشرة وثلثمائة وكان أحد الزهاد وكان القادر بالله يعظمه لدينه وحسن طريقته وقد روى عن الشبلي‏.‏

وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة أربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الماء نقص في شهر ربيع الأول من دجلة نقصانًا لم يعهد مثله وظهرت فيها جزائر لم تكن قبل وامتنع سير السفن فيها من أوانا والراشدية من أعالي دجلة وأنفذ بمن كرى هذا الموضع وكان كرى دجلة مما استظرف وعجب منه لأنه لم تكر دجلة إلا في هذه السنة‏.‏

وفي جمادى الأولى بدئ ببناء السور على المشهد بالحائر وكان أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد وأحب أن يؤثر فيه أثرًا ثم ما نذر لأجله أن يعمل عليه سورًا حصينًا مانعًا لكثرة من يطرق الموضع من العرب وشرع في قضاء هذا النذر ففعل وعمل السور وأحكم وعلا وعرض ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد وتمم وفرغ منه وتحصن المشهد به وحسن الأثر فيه‏.‏

وفي رمضان أرجف بالخليفة القادر بالله فجلس الناس في يوم جمعة بعد الصلاة وعليه البردة وبيده القضيب وحضر أبو حامد الأسفرائني وسأل أبو الحسن ابن النعمان حاجب النعمان الخليفة أن يقرأ آيات من القرآن ليسمعها الناس فقرأ بصوت عال مسموع‏:‏ ‏{‏لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلًا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلًا‏}‏ فبكى الناس وانصرفوا ودعوا‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ورد الخبر بأن الحاكم أنفذ إلى دار جعفر بن محمد الصادق بالمدينة من فتحها وأخذ مصحفًا وآلات كانت فيها ولم يتعرض لهذه الدار أحد منذ وفاة جعفر وكان الحاكم قد أنفذ في هذه السنة رجلًا ومعه رسوم الحسنيين والحسينيين وزادهم فيها ورسم له أن يحضرهم ويعلمهم إشارة لفتح الدار والنظر إلى ما فيها من آثار جعفر وحمل ذلك إلى حضرته ليراه ويرده إلى مكانه ووعدهم على ذلك الزيارة في البر فأجابوه ففتحت فوجد فيها مصحف وقعب من خشب مطوق بحديد ودرقة خيزران وحربة وسرير فجمع وحمل ومضى معه جماعة من العلويين فلما وصلوا سأطلق لهم النفقات القريبة ورد عليهم السرير وأخذ الباقي وقال‏:‏ أنا أحق به‏.‏

فانصرفوا ذامين له وأضاف الناس هذا إلى ما كان يفعله من الأمور التي خرق بها العادات فدعي عليه فأمر بعمارة دار العلم وأحضر فيها العلماء والمحدثين وعمر الجامع وبالغ في ذلك فاتصل الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق دار العلم ومنع من كل ما نسخ فيه‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى

بن جعفر أبو أحمد الموسوي ولد سنة أربع وثلاثمائة وكان يلقب بالطاهر وبذي المناقب ولقب بالأوحد وخاطبه بهاء الدولة بالطاهر الأوحد وولاه قضاء القضاة فلم يمكنه القادر بالله‏.‏

ولي النقابة في سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ثم صرفه أبو الفضل العباس بن الحسين بن الحسن الشيرازي وزير عز الدولة سنة ستين وقلد أبا محمد الناصر العلوي ثم أعيد أبو أحمد إلى النقابة لما مات عضد الدولة في صفر سنة ست وتسعين ثم مرض فقلد مكانه أبو الحسين علي بن أحمد بن إسحاق ثم ولي أبو الفتح محمد بن عمر وولي مع النقابة طريق الحج‏.‏

وحج بالناس مرات ثم توفي وبقي الطالبيون بغير نقيب فأعيد أبو أحمد وأضيف إليه المظالم والحج واستخلف له ولداه المرتضى والرضى وخلع عليهما في سنة أربع وثمانين ثم عزل‏.‏

وولي أبو الحسن محمد بن الحسن الزيدي ثم أعيد أبو أحمد وهي الولاية الخامسة فلم يزل واليًا حتى توفي وكان قد حالفته الأمراض وأضر فتوفي في هذه السنة عن سبع وتسعين سنة وصلى ورثاه ابنه المرتضى فقال‏:‏

سلام الله تنقله الليالي ** وتهديه الغدو إلى الرواح

على جدثٍ تشبث من لؤي ** بينبوع العبادة والصلاح

فتىً لم يرو إلا من حلالٍ ** ولم يك زاده غير المباح

ولا دنست له أزرٌ بوزرٍ ** ولا علقت له راحٌ براح

خفيف الظهر من ثقل الخطايا ** وعريان الجوانح من جناح

مسوق في الأمور إلى هداها ** ومدلول على باب النجاح

من القوم الذين لهم قلوبٌ ** بذكر الله عامرة النواح

بأجسام من التقوى مراض ** لمبصرها وأوديان صحاح

الحجاج بن هر مرقنه أبو جعفر كان قد استتابه بهاء الدولة بالعراق وندبه لحرب الأعراب والأكراد وكان متقدمًا في أيام عضد الدولة وأولاده عارفًا بالحرب وكانت له هيبة عظيمة وشجاعة معروفة وآراء صائبة وخرج عن بغداد في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة فوقعت بها الفتن وكثرت العملات وتوفي بالأهواز في ربيع الأول من هذه السنة عن مائة وخمس سنين‏.‏

كان ذا مال غزير وكان بزاز الخزانة بمصر فاشتملت وصيته على ألف ألف دينار ونيف مالًا صامتًا ومتاعًا وجواهر وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة عند توجهه من مصر إلى مكة وحمل عند وفاته إلى المدينة ودفن بها بالبقيع في جوار الحسن بن علي‏.‏

أبو الحسن الرفا القاضي المجيد قد ذكر من أحواله في الحج في سنة أربع وتسعين توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه ورد الخبر بأن أبا المنيع قرواش بن المقلد جمع أهل الموصل وأظهر عندهم طاعة الحاكم صاحب مصر وعرفهم ما عزم عليه من إقامة الدعوة له ودعاهم إلى قبول ذلك فأجابوه جواب الرعية المملوكة وأسروا الإباء والكراهية وأحضر الخاطب في يوم الجمعة الرابع من المحرم فخلع عليه وأعطاه النسخة ما يخطب به فكانت‏:‏ ‏"‏ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وله الحمد الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانقدت بقدرته أركان النصب وأطلع بنوره شمس الحق من الغرب الذي محا بعدله جور الظلمة وقصم بقوته ظهر الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه والحق إلى أربابه الباين بذاته المتفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته لم تفته الأوقات فتسبقه الأزمنة ولم تشبه الصور فتحويه الأمكنة ولم تره العيون فتصفه الألسنة سبق كل موجود وجوده وفات كل جود جوده واستقر في كل عقل توحيده وقام في كل مرأى شهيده أحمده بما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك ولا يعتريها وهم الشك خالصة من الأدهان قائمة بالطاعة والإذعان وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه اصطفاه واختاره لهداية الخلق وإقامة الحق فبلغ الرسالة وهدى من الضلالة والناس حينئذٍ عن التقوى غافلون وعن سبيل الحق ضالون فأنقذهم من عبادة الأوثان وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب له على أمير المؤمنين وسيد الوصيين أساس الفضل والرحمة وعماد العلم والحكمة وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة‏.‏

أيها الناس اتقوا الله حق تقاته وارغبوا في ثوابه واحذروا من عقابه فقد ترون ما يتلى عليكم في كتابه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم ندعوا كل أناس بإمامهم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏‏.‏

فالحذر الحذر أيها الناس فكأن قد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة وقد بان أشراطها ولاح سراطها ومناقشة حسابها والعرض على كتابها‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره‏}‏‏.‏

اركبوا سفينة نجائكم قبل أن تغرقوا ‏{‏واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا‏}‏‏.‏

واعلموا أنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروه وأنيبوا إلى الله خير الإنابة وأجيبوا داعي باب الإجابة قبل ‏{‏أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين‏}‏ أو تقول‏:‏ ‏{‏لو أن الله هداني لكنت من المتقين‏}‏ أو تقول حين ترى العذاب‏:‏ ‏{‏لو أن لي كرة فأكون من المحسنين‏}‏‏.‏

تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمني الكرة والتماس الخلاص ولات حين مناص وأطيعوا إمامكم ترشدوا وتمسكوا بولاة العهد تهتدوا فقد نصب لكم علمًا لتهدوا به وسبيلًا لتقتدوا به جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده وجعل الإيمان زاده وألهمه تقواه ورشاده واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين ‏"‏‏.‏

ثم جلس وقام فقال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله ذي الجلال وخالق الأنام ومقدر الأقسام المتفرد بالبقاء والدوام فالق الأصباح وخالق الأشباح وفاطر الأرواح أحمده أولًا وآخرًا وأستشهده باطنًا وظاهرًا وأستعين به إلهًا قادرًا واسنتصره وليًا ناصرًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله شهادة من أقر بوحدانية إيمانًا واعترف بربوبيته إيقانًا وعلم برهان ما يدعوا إليه وعرف حقيقة الدلالة عليه‏.‏

اللهم صل على وليك الأزهر وصديقك الأكبر علي بن أبي طالب أبي الأئمة الراشدين المهتدين أللهم صل على السبطين الطاهرين الحسن والحسين وعلى الأئمة الأبرار الصفوة الأخيار من أقام منهم وظهر ومن خاف منهم واستتر اللهم صل على الإمام المهدي بك والذي بلغ بأمرك وأظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هاديًا لعبادك أللهم صلى على القائم بأمرك وعلى المنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضاك وجاهدا أعداءك أللهم صلى على المعز لدينك المجاهد في سبيلك المظهر لآياتك الحقية والحجة الجلية‏.‏

أللهم صلى على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد ألهم اجعل توافي صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية والملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أولياءك المهتدين اللهم أعنه على ما وليته واحفظه فيما استرعيته وبارك له فيما أتيته وانصر جيوشه واعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شيء قدير ‏"‏‏.‏

وكان السبب في هذا أن رسل الحاكم ومكاتباته كانت تتردد إلى قرواش ترددًا أوجبت استمالته فأقام له الدعوة بالموصل على ما ذكرناه وانحدر إلى الأنبار فتقدم إلى الخطيب بإقامتها فهرب الخطيب إلى الكوفة فأقامها بها يوم الجمعة ثاني ربيع الأول وأنفذ إلى القصر والمدائن فأقيمت بها في يوم الجمعة التاسع من هذا الشهر وكشف قرواش وجهه بالخلاف وأظهر المباينة وأدخل يده في المعاملات السلطانية وخبط الناس خبطة المخارقة وورد على الخليفة من هذا ما أزعجه فراسل عميد الجيوش وكاتب بهاء الدولة وأنفذ إليه أبا بكر محمد بن الطيب المتكلم رسولًا وحمله قولًا طويلًا فقال‏:‏ والله إن عندنا من هذا الأمر أكثر مما عند أمير المؤمنين لأن الفساد علينا به أكثر وقد كاتبنا أبا علي وتقدمنا بإطلاق مائة ألف دينار يستعين بها على نفقات العسكر وإن دعت الحاجة إلى مسيرنا كنا أول طالع على أمير المؤمنين‏.‏

ثم نفذ إلى قرواش في ذلك فاعتذر ووثق من نفسه في إزالة ذلك ووثق له في ترك المؤخذة به ثم وقع الرضا عنه وأقيمت الخطبة للقادر بالله وكان الحاكم قد نفذ إلى قرواش ما قيمته ثلاثون ألف دينار فسار الرسول قتلقاه قطع الخطبة بالرقة فكتب إلى الحاكم يعرفه فكتب‏:‏ ‏"‏ دع ما وفي يوم الخميس لسبع بقين من صفر انقض كوكب في وقت العصر من الجانب الغربي إلى سمت دار الخلافة من الجانب الشرقي لم ير أعظم منه‏.‏

ولخمس بقين من رجب زادت دجلة وامتدت الزيادة إلى رمضان فبلغت إحدى وعشرين ذراعًا ودخل الماء أكثر الدور الشاطئة وقطيعة الدقيق وباب التبن وباب الشعير وباب الطاق وفاض على مسجد الكف بقطيعة الدقيق فخربه واحتمل أجذعه وسقوفه وتفجرت البثوق وغرقت القرى والحصون‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ورد الوزير أبو غالب بن خلف إلى بغداد وقد رد إليه أمر العراق ولقب فخر الملك‏.‏

وفيها‏:‏ قلد أبو محمد مكرم كرمان مضافة إلى عمان‏.‏

وفيها عصى أبو الفتوح الحسن بن جعفر العلوي على الحاكم ودعا إلى نفسه وتلقب بالراشد بالله

ولم يحج في هذه السنة أحد من العراق‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن محمد بن عبيد سافر الكثير وسمع وكتب ببغداد والكوفة والبصرة وواسط والأهواز وأصبهان وبلاد خراسان وكان له عناية بالصحيحين فعمل تعليقه أطراف الكتابين ولم يرو إلا اليسير وكان صدوقًا دينًا ورعًا فهما روى عنه أبو القاسم الطبري‏.‏

توفي ببغداد هذه السنة وأوصى إلى أبي حامد الإسفرايني فصلى عليه ودفن في مقبرة جامع المنصور قريبًا من السكك‏.‏

آدم بن محمد بن آدم أبو القاسم العكبري المعدل حدث عن النجاد وابن قانع وعمر بن جعفر بن مسلم وغيرهم وتوفي في صفر هذه السنة‏.‏

الحسن بن أبي جعفر أستاذ هرمز يكنى أبا علي عميد الجيوش ولد سنة خمسين وثلثمائة وكان أبوه من حجاب عضد الدولة وجعل ابنه أبا علي برسم خدمة ابنه صمصام الدولة فخدم صمصام الدولة وبهاء الدول وولاه بهاء الدولة تدبير العراق فقدم سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة والفتن كثيرة والذعار قد انتشروا أفتقل وأغرق خلقًا كثيرًا وأقام الهيبة ومنع أهل الكرخ يوم عاشوراء من النياحة وتعليق المسوح وأهل باب البصرة من زيارة قبر مصعب وأعطى بعض غلمانه صينية فضة فيها دنانير وقال‏:‏ خذها على رأسك وسر من النجمي إلى الماصر الأعلى فإن اعترضك معترض فاعطه إياها واعرف الموضع الذي أخذت منك فيه فجاءه وقد انتصف الليل وقال‏:‏ قد مشيت البلد جميعه فلم يلقني أحد‏.‏

ودخل الرخجي على عميد الجيوش وأدخل سبعين مجلدة خزًا ومنديلًا كثيرًا فيه مال وقال‏:‏ مات نصراني من أهل مصر وخلف هذا وليس له وارث‏.‏

فقال عميد الجيوش‏:‏ من حكم الاستظهار أن يترك هذا بحاله فإن حضر وارث وإلا أخذ فقال الرخجي‏:‏ يحمل إلى خزانة مولانا إلى أن يبين الحال فقال‏:‏ لا يجوز أن يدخل خزانة السلطان ما لا يصح استحقاقه‏.‏

فكتب من بمصر باستحقاق تلك التركة فجاء أخو الميت وأوصل الكتاب من مصر بأنه أخو المتوفى فصادف عميد الجيوش واقفًا على روشن داره يصلي الصبح فظنه نقيبًا فدفع إليه الكتاب وسأله إيصاله إلى صاحب الخبر فقضى له حاجته فدخل صاحب الخبر إلى عميد الجيوش ضاحكًا وقال‏:‏ يامولانا قد صرفت عنك اليوم نفعًا ومرفقًا فإن السوادي قال لي عند قضاء حاجته‏:‏ بأي شيء أخدم النقيب الذي أوصل كتابي إليك فقلت‏:‏ ويحك هذا عميد الجيوش فقال لي‏:‏ هذا الذي تهابه ملوك الأطراف وكثر الدعاء له فلما كان بعد مدة ورد كتاب ابن القمي التاجر من مصر على عميد الجيوش يعرفه أن ذلك الرجل حضر في مجمع من التجار وحكى القصة فضج الناس بالدعاء وقالوا‏:‏ ليتنا كنا في جواره وظله ففرح عميد الجيوش وقال‏:‏ قد أحسن المكافاة بقي عميد الجيوش واليًا على العراق ثماني سنين وسبعة أشهر وأحد عشر يومًا وهو الذي يقول فيه الببغاء كما ذكرنا في ترجمته‏.‏

سألت زماني بمن أستغيث فقال استغث بعميد الجيوش وتوفي في هذه السنة عن إحدى وخمسين سنة وتولى أبو الحسن الرضى بأمره ودفن بمقابر قريش‏.‏

الحسين بن المظفر بن أحمد بن عبد الله أبو عبد الله ابن كنداج سمع إسماعيل بن محمد الصفار والخلدي وابن كامل القاضي روى عنه البرقاني وقال‏:‏ ليس به بأس‏.‏

كان من أولاد المحدثين وكان يعرف‏.‏

توفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

خلف بن محمد بن علي بن حمدون أبو محمد الواسطي سمع الكثير ورافق أبا الفتح بن أبي الفوارس في رحلته فسمع بجرجان ودخل بلاد خراسان وعاد إلى بغداد ثم خرج إلى الشام ودخل مصر وكتب الناس بانتخابه وخرج أطراف الصحيحين وكان له حفظ ومعرفة ونزل بعد ذلك ناحية الرملة فاشتغل بالتجارة وترك النظر في العلم إلى أن مات هناك روى عنه الأزهري‏.‏

عبيد الله بن أحمد بن الهذيل أبو أحمد الكاتب حدث عن إسماعيل الصفار روى عنه الخلال وكان ثقة توفي في محرم هذه السنة ودفن وراء الجامع بمدينة المنصور‏.‏

عبيد الله بن عمر بن محمد أبو الفرج المصاحفي سمع أبا طاهر بن أبي هاشم المقرئ‏.‏

وكان ثقة توفي في شعبان هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن فخر الملك أذن لأهل الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء فعلقوا المسوح وأقاموا النياحة وفي ربيع الآخر أمر القادر بالله بعمارة مسجد الكف بقطيعة الدقيق وإعادة أبنيته ففعل ذلك وعمل لموضع الكف ملبن من صندل وضبب بفضة وعمل بين يديه درابزينات‏.‏

وفي هذا الشهر كتب في ديوان الخلافة محاضر في معنى الذين بمصر والقدح في أنسابهم ومذاهبهم وكانت نسخة ما قرئ منها ببغداد وأخذت فيه خطوط الأشراف والقضاء والفقهاء والصالحين والمعدلين والثقات والأماثل بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الديصانية وهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أحزاب الكافرين ونطف الشياطين شهادة متقرب إلى الله جلت عظمته وممتعض للدين والإسلام ومعتقد إظهار ما أوجب الله تعالى على العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتمونه شهدوا جميعًا أن الناجم بمصر وهو منصورين نزار المتلقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والدمار والخزي والنكال والاستيصال ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله فإنه لما صار إلى الغرب تسمى بعبد الله وتلقب بالمهدي ومن تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليه وعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ولا يتعلقون منه بسبب وأنه منزه عن باطلهم وأن الذي أدعوه من الانتساب إليه باطل وزور وأنهم لا يعلمون أن أحدًا من أهل بيوتات الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء وقد كان هذا الإنكار لباطلهم ودعواهم شائعًا بالحرمين وفي أول أمرهم بالغرب منتشرًا انتشارًا يمنع من أن يتدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم وان هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون وللإسلام جاحدون ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكتب في ربيع الآخر من سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

وقد كتب خطه في المحضر خلق كثير من العلويين‏:‏ المرتضى والرضى وابن الأزرق الموسوي وأبو طاهر بن أبي الطيب ومحمد بن محمد بن عمر وابن أبي يعلى ومن القضاة‏:‏ أبو محمد ابن الأكفاني وأبو القاسم الخرزي وأبو العباس السوري ومن الفقهاء‏:‏ أبو حامد الإسفرائيني وأبو محمد الكشفلي وأبو الحسين القدوري وأبو عبد الله الصيمري وأبو عبد الله البيضاوي وأبو علي بن حمكان ومن الشهداء‏:‏ أبو القاسم التنوخي وقرئ بالبصرة وكتب فيه خلق كثير‏.‏

وفي رجب وشعبان ورمضان‏:‏ واصل فخر الملك الصدقات والحمول إلى المشاهد بمقابر قريش والحائر والكوفة وفرق الثياب والتمور والنفقات في العيد على الضعفاء وركب إلى الصلاة في الجوامع وأعطى الخطباء والعوام والمؤذنين الثياب والدنانير وتقدم ليلة الفطر يتأمل من في حبوس القضاة فمن كان محبوسًا على دينار وعشرة قضى وما كان أكثر من ذلك كفل وأخرج ليعود بعد التعييد وأوعز بتمييز من في حبس المعونة وإطلاق من صغرت جنايته ووقعت توبته فكثر الدعاء له في المساجد والأسواق‏.‏

وفي رمضان‏:‏ تقدم فخر الملك بنقض الدار المعزية بحصيرة شارع دار الدقيق واستيثاق عمارتها وتغيير أبنيتها وعمل دور الحواشي جوارها فأنفق عليها الجملة الكثيرة وحملت إليها الآلات من كل بلد وجعل فيها المجالس الواسعة والحجر الكثيرة والأبنية الرائقة واستعملت لها الفروش بفارس والأهواز على مقادير بيوتها ومجالسها وعمل على الانتقال إليها وسكناها ثم استبعد موضعها ورآه نائبًا عن الكرخ فجعلها متنزهًا في الخلوات ومرسومة بالسمط والدعوات‏.‏

وفي ليلة الأربعاء خامس شوال‏:‏ عصفت ريح سوداء فرمت من النخل أكثر من عشرة آلاف رأس‏.‏

وورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين إلى الخليفة بأنه غزا قومًا من الكفار فقطع إليهم مفازة من رمل وأصابه وأصحابه العطش كادوا يهلكون منه ثم تفضل الله سبحانه عليهم بسحابة أظلتهم ومطرت وشربوا وسقوا ووصلوا إلى القوم وهو خلق عظيم ومعهم ستمائة فيل فظفر بهم وأخذ غنائمهم وعاد‏.‏

وكان أبو الحسين عبد الله بن دنجا عاملًا على البصرة وكان ملقبًا بذي الرتبتين وكان بينه وبين أبي سعد بن ماكولا وحشة فمرض أبو سعد مرضًا صعبًا فأنفذ أبو الحسين فوكل بداره ثم اعتل أبو الحسين ومات وتماثل أبو سعد فأنفذ إلى داره بأولئك الموكلين حتى احتاطوا على ماله وقبضوا على أصحابه‏.‏

وفي ذي الحجة‏:‏ ورد كتاب أبي الحارث محمد بن محمد بن عمر بأن ريحًا سوداء هاجت عند حصول الحاج بزبالا وفقدوا الماء فهلك منهم خلق كثير وبلغت المزادة من الماء مائة درهم وتخفر جماعة ببني خفاجة ورجعوا إلى الكوفة وعمل الغدير والغار على سكون وطمأنينة وأظهرت الفتيان من التعليق شيئًا كثيرًا واستعان أهل السنة بالأتراك فأعاروهم الثياب والفروش الحسان والمصاغ والأسلحة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن عبد الله بن الخضر بن مسرور أبو الحسين المعدل ابن السوسنجردي سمع أبا عمر وابن السماك وأحمد بن سلمان النجاد وأبا بكر الشافعي وغيرهم وكان ثقة دينًا حسن الاعتقاد شديدًا في السنة واجتاز يومًا في الكرخ فسمع سب بعض الصحابة فجعل على نفسه أن لا يمشي في الكرخ وكان يسكن باب الشام فلم يعبر قنطرة الصراة حتى مات توفي في رجب هذه السنة عن نيف وثمانين سنة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن الحسين العكبري قال‏:‏ سمعت عبد القادر بن محمد بن يوسف يقول‏:‏ رأيت أبا الحسن الحمامي المقرئ في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ أنا في الجنة قلت‏:‏ وأبي قال‏:‏ وأبوك معنا فقلت‏:‏ وجدنا يعني أبا الحسين السوسنجردي فقال‏:‏ في الحظيرة قلت‏:‏ حظيرة القدس قال‏:‏ نعم أو كما قال‏.‏

إسماعيل بن الحسين بن علي بن الحسن بن هارون أبو محمد البخاري الفقيه الزاهد ورد بغداد حاجًا مرارًا وحدث بها عن جماعة روى عنه عبد العزيز الأزجي توفي في شعبان هذه السنة‏.‏

الحسن بن الحسين بن علي بن العباس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت أبو محمد النوبختي الكاتب ولد في سنة عشرين وثلثمائة حدث عن علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي والقاضي المحاملي وكان سماعه صحيحًا روى عنه البرقاني والأزهري والتنوخي قال البرقاني‏:‏ كان معتزليًا وكان يتشيع إلا أنه يتبين أنه صدوق وقال الأزهري‏:‏ كان رافضيًا رديء المذهب‏.‏

وقال العتيقي‏:‏ كان ثقة في الحديث يذهب إلى الاعتزال وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

الحسن بن القاسم بن الحسن بن العلاء بن الحسن أبو علي الدباس وأصله من شهر زور روى عنه الأزهري والخلال وكان ثقة توفي في صفر هذه السنة‏.‏

عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاوي كان أحد الشهود الزهاد المتعبدين المؤثرين للخلوة المنعكفين على الذكر وكان قوته من نخلات له وقيل‏:‏ من كسب البواري وكان لا يخرج إلا يوم الجمعة للصلاة‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز عن أبي الحسين ابن المهتدي قال‏:‏ كان عثمان له مغتسل وجناز في المسجد وكان يصلي بينهما وكنت أصلي به في شهر رمضان فقرأت ليلة سورة الحاقة حتى أتيت إلى هذه الآية‏:‏ ‏{‏فيومئذ وقعت الواقعة‏}‏ فصاح وسقط مغشيًا عليه فما بقي في المسجد أحد إلا انتحب وكان يتعمم بشاروفة وكان يأكل من كسب البواري وكان قد سأله السعيد التركي أن يصل إليه منه شيء فأبى فقال له‏:‏ إذا أبيت فتأذن لي أن أشتري دهنًا نشعله في المسجد وكان مأواه المسجد ما كان يخرج منه إلا يوم الجمعة فأجاب إلى ذلك فلما عاد الرسول على أنه يحمل إليه دهنًا قال له‏:‏ لا تجئني بشيء قد أظلم علي البيت‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر عن أبي القاسم التنوخي قال‏:‏ قصدته لشدة وقعت فيها فطرقت بابه فقال‏:‏ من قلت‏:‏ مضطر فقال‏:‏ ادع ربك يجبك فدعوت على بابه وعدت وقد كفيت ما خفته توفي أبو عمرو لسبع بقين من رمضان هذه السنة ودفن في مقبرة جامع المنصور‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن الحسين ابن جداء العكبري قال‏:‏ سمعت عرس الخباز يقول‏:‏ لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره فقلت‏:‏ كيف فرحكم بجوارعثمان فقال‏:‏ وإن عثمان لما جيء به سمعنا قائلًا يقول‏:‏ الفردوس الأعلى أو كما قال‏.‏

علي بن أحمد بن محمد بن يوسف أبو الحسن القاضي السامري أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ حدثنا عنه ابن بنته أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي قال لنا‏:‏ ما رأيت جدي مفطرًا بنهار قط توفي في هذه السنة‏.‏

محمد بن بكران بن عمران بن موسى بن المبارك أبو عبد الله البزاز ابن الرازي سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ومحمد بن مخلد‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر الخطيب حدثنا عنه البرقاني وسألته عنه فقال‏:‏ ثقة

وقال العتيقي‏:‏ ثقة‏.‏

وحدثني عبد الله بن علي قال‏:‏ توفي يوم الخميس لعشر بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بالشونيزية‏.‏

محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة بن ناجية أبو الحسن التميمي النحوي M0 ابن النجار من أهل الكوفة ولد سنة ثلاث وثلثمائة بالكوفة وقدم بغداد وحدث بها عن ابن دريد ونفطويه والصولي وغيرهم‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا العتيقي قال‏:‏ ابن النجار ثقة‏.‏

توفي‏.‏